هذا المزمور هو صرخة صادرة من عمق الضغطة، تعكس خطرا هائلاً محيقاً بداود جعله يقترب من الموت، وكثرة الأحزان في حياة داود جعلته يصرخ إلى الله كثيراً ويتحول إلى مرتل عذب، مرنم إسرائيل الحلو، يصرخ في ضيقته ثم يشعر بثقة أن الله سيستجيب فيسبح الله على استجابته. والصلاة والتسبيح لم تجعل الأحزان تدفع داود للكآبة، بل صارت سبباً في تعزيته وفي اتساع قلبه، بل في انفتاح عينيه، إذ رأي بروح النبوة ما سيحدث للمسيح من آلام، لقد حولت الصلاة داود إلى رمز للسيد المسيح ونبي يتنبأ عن ما حدث للمسيح.
آية (1): "إليك يا رب اصرخ يا صخرتي لا تتصامم من جهتي لئلا تسكت عني فأشبه الهابطين في الجب."
أحباء الرب يصرخون لله في ضيقاتهم بحرارة من قلوبهم. أما البعيدين عن الرب فلمن يصرخون؟ لذلك فهم يكتئبون ويكونون بلا تعزية في ضيقاتهم. يا صخرتي لا تتصامم من جهتي= هو يصرخ ليحقق الله طلبته ويخلصه من أعدائه، وإن لم يخلصه فليسمعه صوته المعزي، ويشعره بوجوده وقبوله فيفرح كما فرح الثلاثة فتية في أتون النار ومعهم المسيح. إن أقصى ما يؤلم الإنسان في ضيقته عدم سماعه لصوت تعزية الرب له، بل أن الإنسان إذا شعر بأن الله لا يستجيب له يحسب نفسه ميتاً= فأشبه الهابطين في الجب. والجب هو إشارة للجحيم الذي كان ينزل إليه كل من يموت، ثم نزل إليه المسيح ليخلص من ماتوا على الرجاء من قديسي العهد ا لقديم. وكل من داخله هذا الشعور أن الله تركه ولم يعد يستمع إليه وأنه صار كمن في جب، عليه أن لا يكف عن الصلاة حتى يشعر باستجابة الله له وأن الله أعاد له تعزيته، كمن يعيد له حياته ويصعده من الجب. فصمت الله هو موت لنا، وحديثه معنا هو متعة بالحياة الجديدة المقامة في كلمة الله القائم من الأموات. وتؤخذ هذه الآية كنبوة عن أن المسيح، آلامه قد وصلت به إلى الجب أي الجحيم. لا تتصامم= هو تصور أنه طالما طلب من الله، فالله لابد وأن يستجيب فوراً.. لكن الله حقاً لابد وأن يستجيب لكل صلاة، ولكن الله له ثلاث طرق للإستجابة:
1.يستجيب فوراً.
2.يستجيب في الوقت المناسب الذي يراه هو.
3.لا يستجيب إطلاقاً لو كانت الطلبة ضد خلاص النفس.
فبولس طلب من الله ثلاث مرات أن يرفع الشوكة والله قال لا، لصالح خلاص نفسه. ومن يفهم هذا، ومن يدرك محبة الله يطلب من الله ويثق أن الله قد إستمع وأنه سيستجيب بحسب مشيئته (1يو14:5) التي هي خلاص النفوس (1تي4:2).
آية (2): "استمع صوت تضرعي إذ استغيث بك وارفع يديّ إلى محراب قدسك."
نموذج للصلاة [1] توجيه القلب للسماء= محراب قدسك [2] رفع اليدين مثل موسى. وهذه الآية تعبر عن حال المسيح في القبر، فاليهود بعد أن صلبوه ظنوا أنه انتهي إلى الجحيم.
آية (3): "لا تجذبني مع الأشرار ومع فعلة الإثم المخاطبين أصحابهم بالسلام والشر في قلوبهم."
المرنم يصرخ إلى الله حتى يعينه فلا ينجذب إلى طريق الأشرار فيكون نصيبه كنصيبهم . والمسيح بعد نزوله للجحيم لم يستمر فيه مع الأشرار بل أخذ الأبرار معه وصعد إلى الفردوس.
الآيات (4،5): "أعطهم حسب فعلهم وحسب شر أعمالهم. حسب صنع أيديهم أعطهم. رد عليهم معاملتهم. لأنهم لم ينتبهوا إلى أفعال الرب ولا إلى أعمال يديه يهدمهم ولا يبنيهم."
هذه نبوة عن نهاية الأشرار وعقوبتهم وليست أمنية النبي أو دعاؤه عليهم فالنبي يعرف أن كل إنسان سيحصد ما قد زرع، والأشرار سيحصدون نتيجة خبثهم.
الآيات (6،7): "مبارك الرب لأنه سمع صوت تضرعي. الرب عزّي وترسي عليه اتكل قلبي فانتصرت. ويبتهج قلبي وبأغنيتي احمده."
هذه هي نتيجة الصلاة والصراخ لله، هنا نجد المرنم قد شعر باستجابة الله له. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وهو لسان حال المسيح وكنيسته التي تفرح وتغني بقيامته وقيامتها فتشكر الرب على خلاصها.
الآيات (8،9): "الرب عزّ لهم وحصن خلاص مسيحه هو. خلّص شعبك وبارك ميراثك وارعهم واحملهم إلى الأبد."
النبي أو كل منا يجب أن يصلي من أجل الكنيسة كلها= خلص شعبك. ينسى المؤمن ضيقته وينشغل بكل الكنيسة. ونرى هنا صورة لشفاعة المسيح الكفارية بعد قيامته عن كنيسته.