هذا المزمور هو نبوة رائعة عن السيد المسيح الذي داس الموت بموته وقام دون أن يرى جسده فساداً. ففي المزمور (2) رأينا ولادة المسيح الأزلية وولادته بالجسد وفي مزمور (
رأينا المسيح بتأنسه يعيد المجد للإنسان، وهنا نرى كيف أعاد المسيح المجد للإنسان. وقد يحتوي المزمور شيئاً عن داود ولكنه مكتوب بروح النبوة عن المسيح فداود مات وفسد جسده، أما المسيح فهو وحده الذي قام ولم يرى جسده فساداً. وهكذا شرح معلمنا بطرس المزمور في (أع24:2-27). وهكذا شرح بولس الرسول المزمور (أع36:13،37) ولذلك أكمل داود تعرفني سبل الحياة، أمامك شبع سرور، فنحن بقيامة المسيح صار لنا فرح أبدي. وكأن داود حين يقول "احفظني يا رب فإني عليك توكلت يتحدث بلسان الكنيسة التي تطلب أن يحفظها الله من هذا الموت الذي أصابها. فكان أن المسيح تجسد وأخلى ذاته وشاركنا في طبعنا ليرفعنا معه لمجده. ومازالت الكنيسة جسد المسيح تصلي احفظني يا رب فإني عليك توكلت حتى تحصل على الحياة الأبدية. هذا المزمور هو مزمور القيامة لذلك تصليه الكنيسة في صلاة باكر. مزمور يعطينا رجاء في ميراثنا الأبدي، لذلك نجده معنوناً بالقول مذهبة فهو كلام من ذهب، هو جوهرة من جواهر الكتاب المقدس.
آية (1): "احفظني يا الله لأني عليك توكلت."
الكنيسة تلقي إتكالها الكامل على الرب لذلك يحفظها. ويرى أباء الكنيسة أن المسيح هو المتكلم هنا بلسان الكنيسة جسده، يسأل الآب قيامة جسده لتقوم الكنيسة كلها معه وفيه. (عب7:5) + (أش8:49). وهذه الآية يجب أن يصلي بها كل واحد لله.
آية (2): "قلت للرب أنت سيدي خيري لا شيء غيرك."
خيري لا شيء غيرك= لا تحتاج إلى صلاحي (سبعينية). الصلاح هو عطية الله، والله لا يحتاج لصلاحنا، بل باتحادنا بالمسيح يهبنا الله الصلاح. وإذ تلتقي النفس بالله مصدر حمايتها وصلاحها تجد فيه كل الكفاية فتقول له أنت ربي وتسلم الحياة كلها له. ليكون هو الرب وهو القائد. ولو كان المسيح هو المتكلم في هذه الآية فهو حين يقول "ربي" يعلن عن كامل إنسانيته واتحاده ببشريتنا، وكممثل عن الكنيسة جسده يقول للآب خيري لا شئ غيرك فالكنيسة مصدر خيراتها الوحيد هو الله صانع الخيرات. خيري لا شيء غيرك= "لا خير لي في شيء بعيداً عنك أو بالإنفصال عنك" وهكذا جاءت في الإنجليزية. والمعنى أنه لا خير لنا ولا مصدر لأي خير إلاّ الله.
آية (3): "القديسون الذين في الأرض والأفاضل كل مسرتي بهم."
من هم قديسيه إلا أعضاء جسده الذين تقدسوا بالاتحاد به، هؤلاء هم الكنيسة وهؤلاء قد صنع الله فيهم كل مشيئاته الصالحة وكل أعاجيبه، لذلك نصلي سبحوا الله في جميع قديسيه فالله ممجد في قديسيه، وصنع فيهم كل مشيئته لأنهم سلموا له المشيئة بالكامل "لتكن مشيئتك". ولاحظ أنهم صاروا قديسين بالرغم من أنهم مازالوا على الأرض. فالله يفعل المستحيلات وحّول شعبه إلى قديسين في وسط عالم شرير. وهذه هي مسرة الله أن يحول شعبه إلى قديسين= كل مسرتي بهم= صنع فيهم كل مشيئاته ونلاحظ أن القيامة لم يشاهدها سوى المؤمنين (لا يتعدوا 500شخص الذين رأوا المسيح بعد قيامته). وحياة القداسة التي ننعم فيها بالمسيح المقام الذي يخلصنا هي لمن يؤمن ويأخذها كهبة إلهية.
آية (4): "تكثر أوجاعهم الذين أسرعوا وراء آخر. لا أسكب سكائبهم من دم. ولا أذكر أسماءهم بشفتي."
من ساروا وراء آلهة أخرى (شهوة/ مال/ كرامة زمنية..) تكثر أمراضهم وأوجاعهم فالمسيح وحده هو الشافي لأرواحنا وأجسادنا ونفوسنا. لا أسكب سكائبهم من دم= فقد كان من عادة الوثنيين أن يشربوا كأساً من الدم كتقدمة وكنوع من العبادة ولا أذكر أسماءهم= أي أسماء الآلهة الوثنية (خر13:23). فالقديسين الذين عرفوا الرب يقطعون كل علاقة لهم بالخطية والخطاة. لا أسكب سكائبهم من دم= جاءت في السبعينية "لا أجتمع بمجامعهم من الدماء" أي لا أوجد في وسط هؤلاء الذين يفعلون هذا. ولا أذكر أسماءهم= لا أريد أن أعرفهم.
آية (5،6): "الرب نصيب قسمتي وكأسي. أنت قابض قرعتي. حبال وقعت لي في النعماء. فالميراث حسن عندي."
هذا هو صوت الكنيسة، الله هو نصيبنا وميراثنا وكأسنا الذي نشربه من الألم والمجد، والمسيح أعاد لنا ميراثنا. وكان تقسيم الأرض في الميراث يقاس بالحبال وبالقرعة (يش6:13). وداود يشعر أن الله قابض قرعته= هي ليست في يد إنسان أو بالحظ أو بالصدفة، الله هو الذي يحددها له، وطالما أن الله يحددها له فقرعته وحبال التقسيم وقعت في النعماء. وكان اللاويين لا نصيب لهم في الأرض وكان الله نصيبهم ليشرح الله أن من يكون الله نصيبه فقد فاز بالنعماء. وقد فهم داود هذا ولم يفرح بملكه ولكنه فرح بأن الرب نصيبه (مز26:73). هذه هي فرحة التمتع بالشركة مع الله. ومن يرفض أن يقبل كأس لذات العالم من يد الشيطان يصير الرب كأسه وقسمته ويكون ميراثه ثابت (1بط4:1). ومن يكون نصيبه الله يكون ميراثه السماء والمجد في الأبدية، ويضاف لهذا بركات أرضية.
النعماء = مترجمة في السبعينية "ارض خصبة" وفي الانجليزية " مكان مفرح" والله خلقنا ووضعنا في فردوس النعيم.
آية (7): "أبارك الرب الذي نصحني. وأيضاً بالليل تنذرني كليتاي."
أبارك الرب الذي نصحني (افهمني في السبعينية). وأيضاً في الليل تنذرني كليتاي= هذا هو عمل الروح القدس فهو يعلمكم كل شيء ويبكت على خطية.. وهو روح النصح (يو16: 8 + 2تي 1: 7) ليضمن لنا ميراثنا إن لم نقاومه وفي النهار (طريق التوبة) يعلم ويكشف عن أسرار الله. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). وفي الليل (وقت الخطية) يبكت وينذر. والكلية ترمز للأعماق، لداخل النفس، مجال عمل الروح القدس. والروح القدس يريد أن يعلن لنا أسرار الميراث، وهذا ما جعل المسيح يفرح (لو21:10). ونلاحظ أن الكليتان تنقيان الدم، وهكذا عمل التوبة ينقي الحياة والنفس لتؤهل للميراث الأبدي. ولكن التوبة هي دعوة واقناع من الروح القدس الذي يبكت ويقنع (ار 20: 7) واستجابة منا.وهذا ما قاله ارمياء النبي " توبني فأتوب لأنك انت الرب الهي (ار 31: 18).
آية (
: "جعلت الرب أمامي في كل حين. لأنه عن يميني فلا أتزعزع."
من له الإيمان الحي، هو من يجد الرب أمامه في كل حين، يشعر أنه في حضرته فلا يخطئ (يوسف) وقوله عن يميني إشارة لأن من له هذا الإيمان الحي يكون الله قوته. فاليمين لا تعني مكاناً ما وإنما هي تشير للقوة. ونلاحظ أنه حينما نقول المسيح جلس عن يمين الآب أنه صار بناسوته له نفس مجد الآب ، والذي هو نفس مجد لاهوت الابن (يو 17: 5). ولأن الآب والابن واحد، والآب في الابن والابن في الآب، نجد الآية هنا وهي بلسان المسيح تقول جعلت الرب.. عن يميني، فالآب هنا عن يمين الابن. والمعني ان الآب حفظ المسيح من كل محاولات قتله (يو 8: 59)، حتي حان وقت الصليب.
آية (9): "لذلك فرح قلبي وابتهجت روحي. جسدي أيضاً يسكن مطمئناً."
الذي وجد الله عن يمينه أي مصدر قوته يتهلل ويفرح، فالله حي وبالتالي لن يترك عبيده يموتون للأبد، لذلك يقول جسدي أيضاً يسكن مطمئناً= يسكن على الرجاء (سبعينية) أي رجاء القيامة. وبلسان المسيح فتكون هذه الآية تشير لفرح المسيح بأن عمله الكفاري وفداءه أعطيا حياة وقيامة لجسده أي كنيسته. وقيامته أعطتنا الرجاء.
آية (10): "لأنك لن تترك نفسي في الهاوية. لن تدع تقيك يرى فساداً."
هي نبوة واضحة عن قيامة المسيح، إذ لم يكن الموت قادراً أن يمسكه للأبد.
آية (11): "تعرفني سبل الحيوة. أمامك شبع سرور. في يمينك نعم إلى الأبد."
سبيل الحياة= طرق الحياة. هي الحياة المعاشة في شركة مع الله وهذه تستمر هنا على الأرض وفيما بعد الموت. والطريق هو المسيح فمن يثبت فيه يقوم معه ويصعد معه. والمسيح بقيامته اعطانا الحياة الابدية. ولكنه لم يتركنا بعد ذلك حتي لا نضل ويضيع منا الطريق ، فارسل لنا الروح القدس ، الذي سكن فينا في سر الميرون (سر التثبيت). والروح القدس يثبتنا في المسيح ، والمسيح هو الطريق.