يقال أن داود كتب هذا المزمور قبل نياحته بثلاث سنوات وفيه يضع حصيلة خبراته، وتتلخص في أنه مهما نجح الأشرار فنجاحهم وقتي، أما الأبرار فلا ينالهم سوى الخيرات، وإن لم ينالوها على الأرض فهم سينالونها في السماء ويكفيهم على الأرض أن الله يشعرهم بعدم التخلي عنهم. ومما يؤكد أن داود كتبه بعد أن شاخ الآية (25). ونلاحظ أن داود حين يقول أن البار يرث الأرض فهذا بمفهوم العهد القديم وفي العهد الجديد فالأرض هي رمز للميراث السماوي.
الآيات (1-11): "لا تغر من الأشرار ولا تحسد عمّال الإثم. فانهم مثل الحشيش سريعا يقطعون ومثل العشب الأخضر يذبلون. اتكل على الرب وافعل الخير. اسكن الأرض وارع الأمانة. وتلذذ بالرب فيعطيك سؤل قلبك. سلم للرب طريقك واتكل عليه وهو يجري. ويخرج مثل النور برك وحقك مثل الظهيرة. انتظر الرب واصبر له ولا تغر من الذي ينجح في طريقه من الرجل المجري مكايد. كف عن الغضب واترك السخط ولا تغر لفعل الشر. لان عاملي الشر يقطعون والذين ينتظرون الرب هم يرثون الأرض. بعد قليل لا يكون الشرير. تطلع في مكانه فلا يكون. أما الودعاء فيرثون الأرض ويتلذذون في كثرة السلامة."
داود يدعو كل واحد أن لا يتساءل لماذا تنجح طريق الأشرار ويغار منهم لأن نجاحهم وقتي فهم كالحشيش= يشغلون سطح الأرض بلا قيمة وهم بلا جذور عميقة تسندهم، وعند ظهور الشمس الحارقة في الصيف (إشارة للدينونة الأبدية) فإنهم يذبلون. أما المؤمن فله جذوره التي تشرب من مياه الروح القدس العميقة وحياته مستترة مع المسيح في الله (كو3:3) ومتى يأتي الربيع (عندما يأتي المسيح في مجده) سيكون هناك ثمار ونظهر معه في مجده (كو4:3) وما على المؤمن إلا أن يتكل على الرب ويسلك بأمانة. ساكناً الأرض= الكنيسة. وتلذذ بالرب =قد يكون أولاد الله فقراء أو مضطهدين ولكنهم فرحين إذ يجدوا في عشرتهم مع الله لذتهم. فيحسبوا العالم كله بكل خيراته نفاية (في7:3-9). فيعطيك سؤل قلبك= من تلذذ بالرب يطلب أن تنفتح عيناه ويراه ويعاينه. وسلِّم للرب طريقك= في ثقة سلِّم للرب تدبير كل أمورك وهو يُجري= يدبر كل أمور حياتنا حسب مشورته الصالحة. والرب يخرج مثل النور برك= إشراق حياة المؤمنين الأبرار سيكون واضحاً كالنور حتى لو شوه الأشرار سمعتهم إلى حين. انتظر الرب= الله طويل الأناة وتأتي استجابته في الزمان الذي يحدده هو وعلى المؤمن أن يصبر اترك السخط= كف عن التذمر ضد أحكام الله، فالتذمر يقسي القلب.
الآيات (12-24): "الشرير يتفكر ضد الصدّيق ويحرق عليه أسنانه. الرب يضحك به لأنه رأى أن يومه آت. الأشرار قد سلّوا السيف ومدوا قوسهم لرمي المسكين والفقير لقتل المستقيم طريقهم. سيفهم يدخل في قلبهم وقسيّهم تنكسر. القليل الذي للصديق خير من ثروة أشرار كثيرين. لأن سواعد الأشرار تنكسر وعاضد الصديقين الرب. الرب عارف أيام الكملة وميراثهم إلى الأبد يكون. لا يخزون في زمن السوء وفي أيام الجوع يشبعون. لأن الأشرار يهلكون وأعداء الرب كبهاء المراعي. فنوا. كالدخان فنوا. الشرير يستقرض ولا يفي وأما الصدّيق فيترأف ويعطي. لأن المباركين منه يرثون الأرض والملعونين منه يقطعون. من قبل الرب تتثبت خطوات الإنسان وفي طريقه يسرّ. إذا سقط لا ينطرح لأن الرب مسند يده."
إبليس ومن يتبعه من الأشرار يظنون أنهم أقوياء، قادرين على إلحاق الأذى بشعب الله= يتفكر ضد الصديق. والرب يضحك به= لماذا؟ [1] رأى أن يومه أتٍ= يرى الرب يوم دينونتهم [2] السيف الذي اعدوه ضد المسكين يرتد ويدخل في قلوبهم. وسيف الأشرار لا يمتد سوى لأجساد القديسين ولا ينالون من أرواحهم [3] الآلام تتحول لخير القديسين فكل الأمور تعمل معاً للخير للذين يحبون الله. والله يستخدم هذه الآلام لتكميل القديسين= الرب عارف أيام الكملة [4] فشل خطط الأشرار= قسيهم تنكسر، كما قال يوسف لاخوته (تك20:50) وقوله الرب عارف أيام الكملة= أن الله يعرف متى سيكملون بهذه الآلام ليكون لهم نصيب في المجد السماوي، حينئذ يسمح بموتهم بعد أن يكملوا. فالأشرار ليسوا أحراراً في أن يقتلوا أولاد الله. لم يكن لك سلطان البتة إن لم تكن قد أعطيت من فوق (يو11:19). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). لا يخزون في زمن السوء= لا يخزى إلا من لا يثق في الله ولا رجاء له، أما أولاده الله فيفتخرون في الضيقات (رو3:5،4). والأشرار كبهاء المراعي= أي الخراف السمان من غناهم وخيراتهم ولكنهم كالدخان فنوا= الخروف حينما يصير سميناً يقترب ذبحه، والشرير كلما صار في بهاء يقترب موعد دينونته، وهو كالدخان كلما ارتفع إلى فوق كبر حجمه ولكنه يبدأ ينتشر ويكبر حجمه ولكنه يتلاشى رويداً رويداً. أما البار فيثبت الرب طريقه (23) وإن لم يثبت الرب طريقنا سنسلك في طرق ملتوية. ونلاحظ أن الرب يسوع هو الطريق.
الآيات (25-40): "أيضا كنت فتى وقد شخت ولم أر صدّيقا تخلي عنه ولا ذرية له تلتمس خبزاً. اليوم كله يترأف ويقرض ونسله للبركة. حد عن الشر وافعل الخير واسكن إلى الأبد. لأن الرب يحب الحق ولا يتخلى عن أتقيائه. إلى الأبد يحفظون أما نسل الأشرار فينقطع. الصديقون يرثون الأرض ويسكنونها إلى الأبد. فم الصدّيق يلهج بالحكمة ولسانه ينطق بالحق. شريعة إلهه في قلبه. لا تتقلقل خطواته. الشرير يراقب الصدّيق محاولاً أن يميته. الرب لا يتركه في يده ولا يحكم عليه عند محاكمته. انتظر الرب واحفظ طريقه فيرفعك لترث الأرض. إلى انقراض الأشرار تنظر. قد رأيت الشرير عاتيا وارفا مثل شجرة شارقة ناضرة. عبر فإذا هو ليس بموجود والتمسته فلم يوجد. لاحظ الكامل وانظر المستقيم فان العقب لإنسان السلامة. أما الأشرار فيبادون جميعا. عقب الأشرار ينقطع. أما خلاص الصديقين فمن قبل الرب حصنهم في زمان الضيق. ويعينهم الرب وينجيهم. ينقذهم من الأشرار ويخلصهم لأنهم احتموا به."
في (25) الله لا يتخلى عن أولاده أبداً. وداود هنا يقولها عن خبرة رآها في حياته. بل البار في تشبهه بإلهه نجده رحيماً بالمحتاج، ونسله أيضاً يكون في بركة. وفي (27) دعوة لكي نسلك في فعل الخير لكي يكون لنا ميراث أبدي= أسكن إلى الأبد. وفي (30،31) نرى الصديق يلهج بالحكمة ونفهم أنه حكيم لأنه يحفظ وصايا الله. وفي (35،36) يكرر أن نجاح الشرير نجاح وقتي. وبعدها يبادون (38). وفي (37) فإن العقب لإنسان السلامة= نهاية الإنسان البار السلامة والعكس للشرير (39). العقب = Future.