كتب داود هذا المزمور بعد خلاصه من شدة عظيمة، وهو يسبح الله على النجاة. ونجد أنه يقف أمام الله شاعراً بأنه أخطأ إليه، وربما شعر أن ألامه كنت نتيجة لغضب الله عليه بسبب أثامه. وبروح النبوة تحولت تسبحته هذه لتصبح نبوة عن المسيح وخلاص المسيح للبشرية بعد أن تألَّم لأجلها ثم قام. فكلمات داود عن ألامه وخلاصه هنا لا تنطبق سوى على المسيح. ولقد طبق بولس كلمات هذا المزمور على المسيح (عب5:10-15).
الآيات (1-5): "انتظاراً انتظرت الرب فمال إليّ وسمع صراخي. وأصعدني من جب الهلاك من طين الحمأة وأقام على صخرة رجليّ. ثبت خطواتي. وجعل في فمي ترنيمة جديدة تسبيحة لإلهنا. كثيرون يرون ويخافون ويتوكلون على الرب. طوبى للرجل الذي جعل الرب متكله ولم يلتفت إلى الغطاريس والمنحرفين إلى الكذب. كثيراً ما جعلت أنت أيها الرب الهي عجائبك وأفكارك من جهتنا. لا تقوّم لديك. لأخبرن وأتكلمن بها. زادت عن أن تعد."
هنا نرى تسبيح داود لله الذي أنقذه من ضيقته. فهو كان في ضيقته قريباً جداً من الموت (حدث هذا أيام شاول وأيام إبشالوم) وأنقذه الله من موت محقق، أسماه هنا جب الهلاك وطين الحمأة إشارة إلى أنه لو مات لكان قد دفن في قبر وهلك. ولكن إذا فهمنا أن المزمور نبوة عن المسيح فالمسيح فعلاً قد مات ودفن وذهب إلى الجحيم لينقذ من مات على الرجاء. ويكون خلاص الله للمسيح هو قيامته وقيامة كنيسته معه. إنتظاراً انتظرت الرب= دليل المثابرة والصبر في الضيقة. هكذا صمت المسيح أثناء محاكمته أصعدني من جب الهلاك= الجب بئر عميق موحل (أر38). ونحن بخطيتنا سقطنا في جب الموت والهلاك واحتجنا ليد الرب (المسيح) ليخلصنا. بل هو أخرجنا وأقامنا على صخرة هي الرب يسوع نفسه، وما عادت أقدامنا تغوص في وحل الجب (شهواتنا وخطايانا) بل ثبت المسيح أقدامنا في طريق النصرة على الخطية، طريق الإيمان. ومن شعر بخلاص المسيح يسبح (3) كثيرون يرون ويخافون= يرون خلاص الرب ويتمموا خلاصهم بخوف ورعدة، حين يدركوا سر الصليب، فإن كان الله لم يشفق على ابنه، فإنه لن يشفق على كل خاطئ لا يريد أن يتوب. وكل من يفعل ويتوب يثبت في المسيح فيقوم معه، وهذا طوبى له= طوبى للرجل الذي.. ولم ينظر إلى الغطاريس= المتكبرين وهم الشياطين الذين يغوون أولاد الله بالأباطيل، لذلك ترجمت الآية في السبعينية ولم ينظر إلى الأباطيل وفي (5) نرى أن أفكار الله عجيبة لا يتصورها العقل البشري، فمن كان يفهم سر الصليب قبل حدوثه، وهل كان يتصور إنسان أن يكون هذا سبباً لخلاص البشر وحلاً لمشكلاتهم. إنتظاراً إنتظرت الرب= تفهم أيضاً أنها دليل المثابرة والصبر والثقة في مواعيد الله. لا تقوَّم= عطايا الله لنا عجيبة وتتضاعف دائماً. ومن يعرف هذه المحبة ينتظر الرب بثقة.
الآيات (6-13): "بذبيحة وتقدمة لم تسر. أذنيّ فتحت. محرقة وذبيحة خطية لم تطلب. حينئذ قلت هانذا جئت. بدرج الكتاب مكتوب عني. أن أفعل مشيئتك يا الهي سررت. وشريعتك في وسط أحشائي. بشرت ببر في جماعة عظيمة. هوذا شفتاي لم امنعهما. أنت يا رب علمت. لم اكتم عدلك في وسط قلبي. تكلمت بأمانتك وخلاصك. لم أخف رحمتك وحقك عن الجماعة العظيمة. أما أنت يا رب فلا تمنع رأفتك عني. تنصرني رحمتك وحقك دائماً. لأن شروراً لا تحصى قد اكتنفتني. حاقت بي آثامي ولا أستطيع أن أبصر. كثرت أكثر من شعر رأسي وقلبي قد تركني. أرتض يا رب بأن تنجيني. يا رب إلى معونتي أسرع."
هنا نرى صورة المسيح الذي أخلى ذاته أخذاً صورة عبد (في7:2). وكان العبد يتم منحه الحرية في السنة السابعة لعبوديته، فإن أحب سيده وأراد أن يستمر عبداً له كل أيام حياته يفتح سيده أذنه بالمثقب عند باب البيت علامة أنه بإرادته قبل أن يستعبد لسيده كل عمره (خر1:21-6). وهذا ما صنعه المسيح أن يصير عبداً ليصنع مشيئة الآب. ولقد ترجمت السبعينية أذني فتحت هكذا هيأت لي جسداً (عب5:10). لأن السبعينية لم تترجم الكتاب ترجمة حرفية، فهي تكتب للعالم كله. ومن من الناس سيفهم النظام العبراني في ثقب الأذن. وحينما اقتبس كتاب العهد الجديد من العهد القديم اقتبسوا من السبعينية. والترجمتين متكاملتين، فالمسيح أخذ له جسداً ليكون عبداً بإرادته للآب لينفذ كل مشيئته، وليقدم نفسه ذبيحة فالآب لم يُسَّرْ بالذبائح الحيوانية، ولكنها كانت رمزاً للمسيح المصلوب= بذبيحة وتقدمة لم تُسَّر = فالآب كانت عينيه على مسيحه الذي سيقدم نفسه ذبيحة بإرادته. فما كان ممكنا ان ذبائح حيوانية تغفر خطايا وبالتالي فالله لن يسر بها ، فالله يسر بالفداء الذي اعاد اولاده اليه ، لذلك قال الآب يوم معموية المسيح " هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت " = ان افعل مشيئتك يا الهي سررت. ونرى في هذه الآيات أن المسيح أتي تحقيقاً للنبوات. وأتى ليبشر ويعلم. بدرج الكتاب مكتوب عني = العهد القديم مملوء نبوات عن كل ما عمله المسيح.
ويصنع مشيئة الذي أرسله أي الآب (يو4: 34). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). إذاً مجيء المسيح كان وفق خطة إلهية لخلاص البشر سبق الله وأنبأ بها بواسطة أنبيائه. بشرت ببرٍ= الكلمة العبرية بشرت تحمل معنى أخبار مفرحة أي إنجيل. والأخبار المفرحة التي بشرنا بها المسيح هي عودتنا لحضن الآب بفدائه الذي يبررنا بدمه فنكون مقبولين امام الآب فيه.جماعة عظيمة = هي الكنيسة جسد المسيح ، التي ملأت كل الارض. والمسيح لم يتوقف عمله ابدا بسبب مقاومة اليهود =شفتاي لم امنعهما... لم اكتم عدلك... لا تمنع رافتك عني = الله حماه من كل محاولاتهم لقتله ليتمم بشارته وتعاليمه يو 8:59
شريعتك وسط احشائي :-
1) المسيح كان يرد علي ابليس يوم التجربة بايات من الكتاب.
2) المسيح هو الانسان الكامل المولود تحت الناموس والتزم بكل وصايا الناموس كالختان والتطهيرات وغيرها. ولم يخالف وصية واحدة لذلك قال " من منكم يبكتني علي خطية.
3) الله كلمنا فيه (عب 1: 2) وهذا ما قاله الله لموسي عن المسيح (تث 18 : 15 – 19)
وفي (12) نرى الشرور التي أحاطت بالمسيح كل حياته، بل من لحظة ولادته واضطهاد هيرودس له حتى الصليب. حاقت بي أثامي= هذه يقولها داود أو أي إنسان، أما المسيح فالأثام التي صنعها البشر حملها هو ولكنه لم يصنع إثماً. ويستمر داود في شرح موقف الإنسان الخاطئ فيقول ولا أستطيع أن أبصر= فأنقياء القلب هم الذين يعاينون الله. وهذه بفم داود فيها يعترف بلسان الإنسان عموماً بأن خطاياه الكثيرة حرمته من أن يرى الله بل دفعته لليأس من الخلاص، فهو لم يعد قادراً أن يرى طريق للنجاة من الموت ومن الجحيم. وفي يأسه قال= وقلبي قد تركني= فقلبه الجريح صار غير قادراً أن يرفع لله. وربما تشبه مز(22) قلبي صار كالشمع ذاب وسط أحشائي.
الآيات (14-17): " ليخز وليخجل معا الذين يطلبون نفسي لإهلاكها. ليرتد إلى الوراء وليخز المسرورون بأذيتي. ليستوحش من اجل خزيهم القائلون لي هه هه. ليبتهج ويفرح بك جميع طالبيك. ليقل أبدا محبو خلاصك يتعظم الرب. أما أنا فمسكين وبائس الرب يهتم بي. عوني ومنقذي أنت. يا الهي لا تبطئ."
هنا نرى صراخ المرنم لله لينجيه من أعدائه. وهي نفس آيات المزمور السبعون لداود (ورد تفسيره في صلاة باكر). فالمرنم هنا يلجأ لله ليخلصه حينما وصل هو إلى حالة اليأس. ولقد استجاب الله لصرخته بالمسيح المصلوب المخلص. ليستوحش= ليتوحشوا ويحاولوا ترويعي كما يريدون، ليسخروا قائلين هه هه وكل ذلك سيكون لخزيهم فهو واثق في تدخل الله الذي سيخزيهم.