هذا المزمور هو أحد مزامير التوبة لداود، مملوء أحزاناً وشكوى، فالخطية تأتي معها بثمارها من الآلام والأحزان، بل يبدو أيضاً أن بعض الأمراض قد أصابته. والله يسمح بهذه الآلام للخاطئ ليتواضع وينسحق أمامه. ومن الآلام التي أوجعته جداً هجر أصحابه له واضطهاد أعداؤه له. لقد تلذذ بالخطية لحظات وجنى ثمارها المرة سنوات. كل هذه الآلام مع إحساسه بالندم على خطيته كان ممكناً أن يدفعه لليأس، ولكننا نراه يلجأ إلى الله بالصلاة لينال عوناً.
عنوان المزمور للتذكير= ليذكر خطيته وتكون أمامه كل حين، ويذكر تأديب الرب فلا يعود لها. وفي السبعينية تذكر لأجل السبت= والسبب هو الراحة. وفي اعترافنا وتوبتنا نجد راحة.
آية (1): "يا رب لا توبخني بسخطك ولا تؤدبني بغيظك."
هي نفسها (مز1:6). هو لا يرفض التوبيخ، لكنه يرفض غضب الله عليه.
آية (2): "لأن سهامك قد انتشبت فيّ ونزلت عليّ يدك."
سهام الله هي تأديباته. وقبل أن تجرحنا سهام تأديباته، تجرح ضميرنا سهام كلماته فإن لم نتحرك ونتوب من توبيخ الضمير تأتي علينا السهام الخارجية.
الآيات (3-
: "ليست في جسدي صحة من جهة غضبك. ليست في عظامي سلامة من جهة خطيتي. لان آثامي قد طمت فوق رأسي. كحمل ثقيل اثقل مما احتمل. قد أنتنت قاحت حبر ضربي من جهة حماقتي. لويت انحنيت إلى الغاية اليوم كله ذهبت حزينا. لان خاصرتي قد امتلأتا احتراقا وليست في جسدي صحة. خدرت وانسحقت إلى الغاية. كنت أئن من زفير قلبي."
داود الذي لم ينحني أمام جليات ولا الأسد والدب، داود الجبار نجده بسبب الخطية متألماً، مريضاً منحنياً تحت ثقل الخطية. أنتنت قاحت جراحاتي= هذه للتعبير عن نتانة الخطية ورائحتها النتنة. والمرنم يعتبر الخاطئ جاهلاً أحمق= من جهة حماقتي والعكس نسمع رأس الحكمة مخافة الرب (أم7:1). والعجيب أن المسيح ليشفينا قَبِل أن يحمل هو ثفل خطايانا وينحني تحت الصليب ليرفع رأسي المنحني. وعلى كل منا أن ينسحق أمام الله، خافضاً رأسه معترفاً بخطاياه ليحملها هو عنه= انسحقت إلى الغاية.
الآيات (9-15): "يا رب أمامك كل تأوّهي وتنهدي ليس بمستور عنك. قلبي خافق. قوتي فارقتني ونور عيني أيضا ليس معي. أحبائي وأصحابي يقفون تجاه ضربتي وأقاربي وقفوا بعيدا. وطالبو نفسي نصبوا شركا والملتمسون لي الشر تكلموا بالمفاسد واليوم كله يلهجون بالغش. وأما أنا فكأصم. لا اسمع. وكأبكم لا يفتح فاه. وأكون مثل إنسان لا يسمع وليس في فمه حجة. لأني لك يا رب صبرت أنت تستجيب يا رب الهي."
نرى هنا الرجوع إلى الله. والمرنم يلجأ لله الذي يسمع تنهدات قلبه وأنينه وهو القادر أن يشفيه ويرفع عنه آلامه الداخلية والخارجية. وهو يصف حالته بصدق أمام الله قلبي خافق= أي مضطرب. وفارقته قوته، فهو في حالة خوف، وفقد استنارته وأصدقاؤه رأوا آلامه ووقفوا بعيداً كمن لا يهمهم أمره. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). ولم يساندوه في ضيقته ويواسوه، ولم يقفوا معه ضد أعدائه الخارجيين (ألم يتحمل المسيح عنا كل ذلك) أما أنا فكأصم لا يسمع وكأبكم..= داود قرَّر أن لا يجيب على شاتميه تاركاً الأمر كله لله، فطالماً أن التأديب من الله، فهو يترك له تدبير كل شيء ورد حقه منهم. ولكن هذه الآية تنطق بما فعله المسيح، إذا وقف صامتاً أمام كل من حاكموه ولم يدافع عن نفسه.
الآيات (16-22): "لأني قلت لئلا يشمتوا بي. عندما زلت قدمي تعظموا عليّ. لأنني موشك أن اظلع ووجعي مقابلي دائما. لأنني اخبر بإثمي واغتم من خطيتي. وأما أعدائي فأحياء. عظموا. والذين يبغضونني ظلما كثروا. والمجازون عن الخير بشر يقاومونني لأجل اتباعي الصلاح. لا تتركني يا رب. يا الهي لا تبعد عني. أسرع إلى معونتي يا رب يا خلاصي."
هو سكت أمام أعدائه، لكنه لم يسكت أمام الله، بل كان يصرخ إليه في ثقة أنه سيستجيب. فلا يشمت به أعدائه (16) ويتهللون لسقوطه. لأني موشك أن أظلع= أي أعرج. وترجمت في السبعينية "أما أنا للسياط فمستعد" أي المرنم مستعد للآلام التي يسمح بها الرب حتى إن وصلت لأن يعرج. ولكن جاءت السبعينية لتتنبأ في روعة عن آلام المسيح. وفي (18) نرى ضرورة الاعتراف بالخطية. وفي (19) نرى قوة الأعداء ولذلك لا نلجأ سوى لله الأقوى منهم. وفي (20) نرى صورة لتخلي الجميع عن الرب يسوع وصورة لما يحدث لكل خاطئ، والمسيح صار خطية لأجلنا وتحمل كل هذه الآلام كحامل خطية. وهو الذي عظموا عليه اتهاماتهم= عظموا. ومن الذي فعل هذا أصدقاؤه وأقاربه بالجسد وهو لم يفتح فاه. وينهي المزمور بصراخه لله لكي لا يبعد عنه، ويعينه. وتفهم عظموا أن الذين ظلموه إنتفخوا وكبروا وهم المخطئين.